خيرات رمضان وبركاته

{title}
أخبار الأردن -

د. عاصم منصور

في غفلة وانشغال عن الجمال الذي بثه الخالق في الكون، واستغراق في ضجيج الحياة وصخبها، وانسياق في همومها ومغرياتها وشواغلها، يجيء شهر رمضان محطة سنوية ليتفرغ الإنسان من شهوات الجسد، وثقل الدنيا، وليقبل على الله بنفس متجردة، وهمة عالية، ومجاهدة للنفس في سعي الخواص لصرفها عما سوى الله بالكلية، فينهل من خيرات رمضان وبركاته، ويحوز من وفير غنائمه ومغانمه.

إن رمضان شهر لرياضة النفس على المعالي ومكارم الأخلاق، وإعادة فهم الحياة والنفس، وهي مناسبة لاستدعاء معاني الصفاء والسمو والتأمل، والشعور بالحياة الحقيقية، والترفع عن شهوات النفس وأوزارها، وإعراض عن المظهر البراق، للتفكر في الغاية والمصير. وهو دعوة للشعور مع الغير، والعطف على خلق الله، والحنوّ على كفاحهم وآلامهم، والعناية باهتمامهم وهمومهم.

رمضان هو الاستثناء، هو الخروج على مجرى الحياة الاعتيادي ومألوفاتها في الفكر والسلوك، وهي الثورة على عوامل الضعف في داخل النفس وخارجها، يتجلّى ذلك في الخروج عن المألوف من العادات، والجاري من الطبائع، فشهوات النفس تكسر، وقول الزور يحظر، والقلب واللسان والجوارح تلهج بالذكر والدعاء وطيب القول. والفكر يسافر في أسرار الوجود، للنفاذ الى جواهر الأمور وحقائقها، وتتشوق النفس إلى ما يكون بعد الدنيا، وتجهد للاندماج في الجمال الإلهي الذي يغص به الكون، وتستره الغفلة والشهوات والمطامع.

وفي حقائق الصيام وجد العارفون انعتاقا من كل رِقٍّ، وكسرا لكل قيد؛ رقّ المادة والشهوات، ورق مطالب الجسد، وأغلال المخاوف والحرص، ورقّ التنافس على الدنيا، فيستعليَ المؤمن بإيمانه على ضروراته وأغلاله، وتنعم الروح بالحرية الخالصة، حرية الإرادة، وحرية الفكر، وحرية العمل وتمتلئ النفوس عزة وكرامة كما أراد لها من له العزة جميعاً.

رمضان محطة سنوية لإعادة النظر في حقيقة السعادة والطمأنينة والرضى، ولإدراك معاني البنوة والأبوة، والأخوة والصداقة وما يجمعنا مع الناس من وشائج، وقبل ذلك مقام العبودية لخالق الناس، لنستمد من ذلك غذاء الروح الذي يعيننا على المواصلة في مسالك الحياة على هدى وبصيرة ونور.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير